ماذا أستفيد من الحجاب ؟ (فضائل الحجاب)ـ

أولا : الحجاب طاعةٌ لله عز وجل وطاعةٌ لرسوله صلى الله عليه وسلم :ـ

لأن الله أمر بالحجاب : قال الله تعالى : ( يا أيها النبي قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يدنين عليهن من جلابيبهن ) (1)، أي : يرخين عليهن أَرْدِيَتَهُنّ ويغطين بها وجوههن وأجسامهن .ـ

وقال تعالى : ( وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن ويحفظن فروجهن ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها وليضربن بخُمُرِهِنّ على جيوبهن )(2).ـ 

ولأن الرسول صلى الله عليه وسلم قال : ( المرأة عورة )(3) يعني أنه يجب سترها .ـ

ويكفي شرفاً للمرأة أن تعلم بأنها إذا تحجبت فإنها مطيعة لله ورسوله صلى الله عليه وسلم وهذا أكبر شرف ، فقد يفخر الإنسان أحيانا بأنه مطيع لمسؤول أو مدير ولكن الفخر الأكبر عندما يكون الإنسان مطيعا لله وداخلاً تحت دائرة العبودية لله لا للخلق ، كما قال الشاعر :ـ

ومما زادني شرفاً وتيهاً     وكدت بأخمَصي أطأُ الثُّريا

دخولي تحت قولك:(ياعبادي)ـ     وأن صيَّرت أحمد لي نبيا

ثانيا : الحجاب إيمــان :ـ

فهو دليل على إيمان المرأة ، والله سبحانه لم يخاطب بالحجاب إلا المؤمنات ، فقد قال سبحانه : ( وقل للمؤمنات ) ، وقال عز وجل : ( ونساء المؤمنين ).ـ

ودخل نسوة من بني تميم على أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها عليهن ثياب رِقاق ، فقالت : " أن كنتن مؤمنات فليس هذا بلباس المؤمنات ، وإن كنتن غير مؤمنات فتمتعن به".ـ

وأُدخلت امرأة عروس عليها ـ أي على عائشة ـ رضي الله عنها وعليها خِمار قِبطي معصفر ، فقالت أم المؤمنين رضي الله عنها : " لم تؤمن بسورة النور امرأة تلبس هذا ".ـ

 

ثالثاً : الحجاب طهارة :ـ

فقد بين الله سبحانه وتعالى الحكمة من تشريع الحجاب ، و أَجْمَلها في قوله تعالى:( وإذا سألتموهن متاعاً فاسألوهن من وراء حجاب ذلكم أطهر لقلوبكم وقلوبهن)(4) فنص سبحانه على أن الحجاب طهارة لقلوب المؤمنين والمؤمنات ، وبيان ذلك أنه إذا لم تر العين لم يشته القلب ، أما إذا رأت العين فقد يشتهي القلب وقد لا يشتهي ، فالقلب عند عدم الرؤية أطهر ، فالحجاب أطهر للقلب وأنفى للريبة ، وأبعد للتهمة ، وأقوى في الحماية والعصمة.ـ

 

رابعاً : الحجاب عفة :ـ

العفة : تنزه المرء وترفعه عن الحرام وعن الشهوات.ـ

وقد رغبنا الإسلام في التعفف ، وكان من دعائه صلى الله عليه وسلم : ( اللهم إني أسألك الهدى والتقى والعفاف والغنى )(5).ـ 

والعفة صفة من صفات الحور العين التي أشار إليها قوله تعالى : ( حور مقصورات في الخيام )(6) ، وقوله جل وعلا : ( وعندهم قاصرات الطرف عين )(7) ، فقوله ( قاصرات الطرف ) يعني : أنهن عفيفات لا ينظرن إلى غير أزواجهن ، عين )، أي : حسان الأعين جميلات المظهر عفيفات تقيات نقيات.ـ

ومن هنا قال الله تعالى بعد الأمر بالحجاب : ( ذلك أدنى أن يعرفن فلا يؤذين ) أي : الأمر بإدناء الجلباب أدنى أن يعرفن بأنهن عفائف فلا يؤذين أي فلا يتعرض لهن الفساق بأذى من قول أو فعل ، وذلك لأن التي تبالغ في التستر لا يُطمع فيها .ـ

فتبين بهذا أن الحجاب عفة عن الحرام ونقاء للقلب وصيانة للمرأة .ـ

خامساً : الحجاب ستر :ـ

لقد امتن الله علينا بالستر فقال : ( يا بني آدم قد أنزلنا عليكم لباساً يواري سوآتكم وريشا ولباس التقوى ذلك خير )(8) ، فالمؤمنون المتقون يحرصون على اللباس لستر العورات التي يُسْتحيا من إظهارها .ـ

وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إن الله تعالى حَيِـيٌّ ستير يحب الحياء والستر )(9) ، وحُبُّ السِّتر من أخلاق الأنبياء عليهم السلام ، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إن موسى كان رجلا حيياً ستيراً ، لا يُرى من جلده شيء ، استحياءً منه )(10) ، وكان من دعاء رسول الله صلى الله عليه وسلم:(اللهم استر عوراتي وآمن رَوْعاتي)(11)ـ

فالحجاب ستر للجسم وغطاء للعورات .ـ

سادساً : الحجاب حياء :ـ

فالحياء أجمل ما في المرأة ، وإنما الجمال جمال الحياء ، و أجمل وصف في المرأة هو الحياء والمرأة الخجولة هي الجميلة ، وقد قال صلى الله عليه وسلم : ( الحياء لا يأتي إلا بخير ) ، وفي رواية قال : ( الحياء خير كله )(12) ، فالحياء من أبرز الصفات التي تنأى بالمرء عن الرذائل وتحجزه عن السقوط إلى سفاسف الأخلاق ، وهو من أقوى البواعث على الفضائل.ـ

و قد جاءت امرأة إلى النبي صلى الله عليه وسلم يقال لها أم خلاد ـ وهي منتقبة ـ تسأل عن ابنها وهو مقتول ، فقال لها بعض الصحابة : جئتِ تسألين عن ابنكِ وأنت منتقبة ؟ فقالت : إن أَرْزَأ ابني فلن أرزأ حيائي (13)!!.ـ

سابعاً : الحجاب يناسب الغَيرة :ـ

الغَيْرة هي تلك العاطفة التي تدفع الرجل لصيانة المرأة عن كل محرم وشَيْن وعار ، فالحجاب يتناسب مع الغيرة التي جُبَل عليها الإنسان السوي.ـ

بل جعل الإسلام الدفاع عن العرض والغيرة على الحريم جهاداً يُبذل من أجله الدم ، ويُضحى في سبيله بالنفس ، ويجازى فاعله بدرجة الشهيد ، فقد ثبت في الحديث عن الرسول صلى الله عليه وسلم قال : ( ومن قتل دون أهله فهو شهيد)(14)

وضد الغيور الدَّيوث وهو : الذي لا غِيرة له على أهل بيته وعِرْضِه ، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( ثلاثة لا ينظر الله عز وجل إليهم يوم القيامة : العاق لوالديه ، والمرأة المُتَرجِّلة ، والديوث)(15)، وقد ورد في الحديث : ( لا يدخل الجنة ديوث ).ـ

ولننظر إلى هذه الأحداث التي صنعتها الغيرة :ـ

لما دخل الثوار المتمردون على أمير المؤمنين عثمان بن عفان رضي الله عنه ليقتلوه حاولت زوجته نائلة بنت الفرافصة أن تستره بشعرها ، فقال لها أمير المؤمنين : " خذي خمارك ، فوالله ما دخولهم عليّ بأعظم من حُرْمة شَعْرِكِ " .ـ

وذكر الحافظ ابن كثير في كتابه ( البداية والنهاية ) في حوادث سنة 286 هـ: " قال في المنتظم ومن عجائب ما وقع في هذه السنة أن امرأة تقدمت إلى قاضي الري ، فادعت على زوجها بصداقها خمسمائة دينار ، فأنكره ، فجاءت ببينة تشهد لها به ، فقالوا : نريد أن تَسْفُرْ لنا عن وجهها حتى نعلم أنها الزوجة أم لا ؟ فلما صمموا على ذلك قال الزوج : لا تفعلوا هي صادقة فيما تدعيه ، فأقر بما ادّعت ليصون زوجته عن النظر إلى وجهها ، فقالت المرأة حين عرفت ذلك منه وأنه إنما أقر ليصون وجهها عن النظر : هو في حل من صَداقي عليه في الدنيا والآخرة " .ـ

ويذكر بعض المؤرخين في حسنات الحجاج بن يوسف الثقفي : أن امرأة مسلمة سُبيت في الهند ، فنادت  واحجّاجاه  واتصل به ذلك ، فجعل يقول : " لبيكِ " وأنفق سبعة ملايين من الدراهم حتى أنقذ المرأة .ـ

وهذه امرأة أخرى أسرها الروم ـ لا تربطها بالخليفة المعتصم بالله رابطة سوى أخوة الإسلام ـ تستنجد به لما عذبها صاحب عمورية ، وتطلقها صيحة يسجل التاريخ دويها الضخم :  وامعتصماه  ، وما إن بلغت المعتصم هذه الندبة ـ وكان يأخذ لنفسه شيئا من الراحة ـ حتى قالها بملء جوارحه : " لبيكِ " وانطلق لتوه إلى القتال ، وانطلقت معه جحافل المسلمين ، وقد ملأت الغبرة لكرامة المرأة نفس كل جندي إباء وحماساً ، فأنزلوا بالعدو شر هزيمة ، واقتحموا قلاعه في أعماق بلاده حتى أتوا عمورية ، وهدموا قلاعها ، وانتهوا إلى تلك الأسيرة ، وفكوا أسرها ، وقال لها المعتصم : " اشهدي لي عند جدِّك المصطفى صلى الله عليه وسلم أني قد جئت لخلاصك " .ـ

بل إنك تكاد تجد بعض الحيوانات أشد غيرة من كثير من الناس ، فها هو عمرو بن ميمون الأودي رضي الله عنه يقول : ( رأيت في الجاهلية قِرْدة قد زنت فاجتمع عليها قِرَدةٌ فرجموها فرجمتها معهم )(16) ، والجمل من أشد الحيوانات غيرة أيضاً ، فهل يليق بك أيها الإنسان الذي كرمك الله أن لا تغار على عرضك ؟!.ـ

ومن هنا فالذي يغار على عرضه لا يمكن أن يسمح لأهله بالتبرج والسفور ، قال أمير المؤمنين علي بن أبي طالب : " ألا تستحيون ؟ ألا تغارون ؟ يترك أحدكم امرأته بين الرجال تنظر إليهم وينظرون إليها !! " .ـ

**************

المراجع  :

 الحور العين : نساء الجنة ، ( الحور ) جمع حوراء أي شديدة البياض ، ( العين ) جمع عَيْناء أي : واسعة العينين

  1. ) سورة الأحزاب ، آية رقم : 59

  2. ) سورة النور ، آية رقم : 31 ، الخُمُر جمع خمار وهو ما يغطى به الرأس والوجه والعنق ، والجيوب : الصدور

  3. ) رواه الترمذي ، وهو حديث صحيح

  4. ) سورة الأحزاب ، آية رقم : 53

  5. ) رواه الإمام مسلم في صحيحه عن ابن مسعود رضي الله عنه

  6. ) سورة الرحمن ، آية رقم : 72 ، أي : مخدرات مستقرات في بيوت من اللؤلؤ

  7. ) سورة الصافات ، آية رقم : 48

  8. ) سورة الأعراف ، آية رقم : 26

  9. ) رواه أحمد وأبو داود والنسائي ، وهو حديث صحيح

  10. ) رواه البخاري

  11. ) رواه أبوداود والحاكم وصححه ووافقه الذهبي ، و( الرَّوْعة ) : الفزع

  12. ) رواه البخاري ومسلم

  13. ) أي : إن أُصبت وفقدت ولدي فلن أفقد حيائي

  14. ) رواه أحمد و الترمذي والنسائي وابن ماجة ، وقال الترمذي : حديث حسن صحيح

  15. ) رواه النسائي ، وهو حديث صحيح

  16. ) رواه البخاري في صحيحه